كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



8- عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين وذكر قصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه» قالها ثلاثا.
الشافعي يرى استحقاق القاتل للسلب حكما شرعيا بأوصاف مذكورة في كتب الفقه ومالك وغيره يرى أنه لا يستحقه بالشرع وإنما يستحقه بصرف الإمام إليه نظرا وهذا يتعلق بقاعدة وهو أن تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم في أمثال هذا إذا ترددت بين التشريع والحكم الذي يتصرف به ولاة الأمور هل يحمل على التشريع أو على الثاني؟ والأغلب حمله على التشريع إلا أن مذهب مالك في هذه المسألة فيه قوة لأن قوله عليه السلام: «من قتل قتيلا فله سلبه» يحتمل ما ذكرناه من الأمرين أعني التشريع العام وإعطاء القاتلين في ذلك الوقت السلب تنفيلا فإن حمل على الثاني فظاهر وإن ظهر حمله على الأغلب وهو التشريع العام فقد جاءت أمور في أحاديث ترجح الخروج عن هذا الظاهر مثل قوله عليه السلام- بعدما أمر أن يعطى السالب قاتلا فقابل هذا القاتل خالد بن الوليد بكلام- قال النبي صلى الله عليه وسلم بعده: «لا تعطه يا خالد» فلو كان مستحقا له بأصل التشريع لم يمنعه منه بسبب كلامه لخالد فدل على أنه كان على وجهة النظر فلما كلم خالدا بما يؤذيه استحق العقوبة بمنعه نظرا إلى غير ذلك من الدلائل.
9- عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر فجلس عند أصحابه يتحدث ثم انفتل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اطلبوه واقتلوه», فقتلته فنفلني سلبه.
وفي رواية: فقال: «من قتل الرجل؟», فقالوا: ابن الأكوع, فقال: «له سلبه أجمع».
فيه تعلق بمسألة الجاسوس الحربي وجواز قتله ومن يشبهه ممن لا أمان له.
وأما كلامهم هاهنا عن الجاسوس الذمي والمسلم فلا تعلق للحديث به.
وفيه أيضا تعلق بمسألة السلب وقد تمسك به من يراه غير واجب بأصل الشرع بل بتنفيل الإمام لقوله: «فنفلنيه», وفي هذا ضعف ما.
وفيه دليل إذا قلنا بأن السلب للقاتل أنه يستحق جميعه نعم إنما يدل على ما يسمى سلبا والفقهاء ذكروا صورا فيما يستحقه القاتل وترددوا في بعضها فإن كان اسم السلب منطلقا على كل ما معه فقد يستدل به فيما اختلف فيه من بعض الصور.
10- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى نجد فخرجت فيها فأصبنا إبلا وغنما فبلغت سهماننا اثني عشر بعيرا ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا.
فيه دليل على بعث السرايا في الجهاد وقد يستدل به على أن المنقطع منها عن جيش الإمام ينفرد بما يغنمه من حيث إنه يقتضي أن السهمان كانت لهم ولا يقتضي أن غيرهم شاركهم فيها وإنما قالوا بمشاركة الجيش لهم إذا كانوا قريبا منه يلحقهم عونه وغوثه إن احتاجوا.
وقوله: (ونفلنا) النفل في الأصل: هو العطية غير اللازمة وذكر بعض أهل اللغة: أن الأنفال الغنائم وأطلقه الفقهاء على ما يجعله الإمام لبعض الغزاة لأجل الترغيب وتحصيل مصلحة أو عوض منها.
واختلف مذاهبهم في محله فمنهم من جعله من رأس الغنيمة ومنهم من جعله من الخمس وهو مذهب مالك واستحب بعضهم من خمس الخمس والذي يقرب من لفظ هذا الحديث أن هذا التنفيل كان من الخمس لأنه أضاف الإثني عشر إلى سهمانهم فقد يقال: إنه إشارة إلى ما تقرر لهم استحقاقه وهو أربعة الأخماس الموزعة عليهم فيبقى النفل من الخمس واللفظ محتمل لغير ذلك احتمالا قريبا وإن استبعد بعضهم أن يكون هذا النفل إلا من الخمس من جهة اللفظ فليس بالواضح الكثير وقد قيل: إنه تبين كون هذا النفل من الخمس من مواضع أخر.
11- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جمع الله عز وجل الأولين والآخرين يرفع لكل غادر لواء فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان».
فيه تعظيم الغدرة وذلك في الحروب كل اغتيال ممنوع شرعا: إما لتقدم أمان أو ما يشبهه أو لوجوب تقدم الدعوة حيث تجب أو يقال بوجوبها.
وقد يراد بهذا الغدر ما هو أعم من أمر الحروب وهو ظاهر اللفظ وإن كان بين المشهور بين جماعة من المصنفين وضعه في معنى الحرب وقد عوقب الغادر بالفضيحة العظمى وقد يكون ذلك من باب مقابلة الذنب بما يناسب ضده في العقوبة فإن الغادر أخفى جهة غدره ومكره فعوقب بنقيضه وهو شهرته على رؤوس الاشهاد.
وفي اللفظ المروي هاهنا ما يدل على شهرة الناس والتعريف بهم في القيامة بالنسبة إلى آبائهم خلاف ما حكي أن الناس يدعون في القيامة بالنسبة إلى أمهاتهم.
12- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي مقتولة فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان).
هذا حكم مشهور متفق عليه فيمن لا يقاتل ويحمل هذا الحديث على ذلك لغلبة عدم القتال على النساء والصبيان.
ولعل سر هذا الحكم أن الأصل عدم إتلاف النفوس وإنما أبيح منه ما يقتضيه دفع المفسدة ومن لا يقاتل ولا يتأهل للقتال في العادة ليس في إحداث الضرر كالمقاتلين فرجع إلى الأصل فيهم وهو المنع هذا مع ما في نفوس النساء والصبيان من الميل وعدم التشبث الشديد بما يكونون عليه كثيرا أو غالبا فرفع عنهم القتل لعدم مفسدة المقاتلة في الحال الحاضر ورجاء هدايتهم عند بقائهم.
13- عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكوا القمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة لهما فرخص لهما في قميص الحرير ورأيته عليهما).
أجازوا للمحارب لبس الديباج الذي لا يقوم غيره مقامه في دفع السلاح وهذا الحديث يدل على جوازه لأجل هذه المصلحة المذكورة فيه ولعله تعين لذلك في دفعهما في ذلك الوقت وقد سماه الراوي رخصة لأجل الإباحة مع قيام دليل الخطر.
14- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزل نفقة أهله سنة ثم يجعل ما بقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل).
قوله كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله يحتمل وجهين.
أحدهما أن يراد بذلك أنها كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة لا حق فيها لأحد من المسلمين ويكون إخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يخرجه منها لغير أهله ونفسه تبرعا منه صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أن يكون ذلك مما يشترك فيه هو وغيره صلى الله عليه وسلم ويكون ما يخرجه منها لغيره من تعيين المصرف وإخراج المستحق وكذلك ما يأخذه صلى الله عليه وسلم لأهله من باب أخذ النصيب المستحق من المال المشترك في المصرف ولا يمنع ذلك قوله: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الحشر: 7] لأن هذه اللفظة قد وردت مع الاشتراك قال الله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الحشر: 7] الآية فأطلق على كونه إفاءة على رسوله مع الاشتراك في المصرف.
وفي الحديث جواز الادخار للأهل قوت سنة.
وفي لفظه: ما يوجه الجمع بينه وبين الحديث الآخر: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئا لغد».
فيحمل هذا على الادخار لنفسه وفي الحديث الذي نحن في شرحه على الادخار لأهله على أنه لا يكاد يحصل شك في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مشاركا لأهله فيما يدخره من القوت ولكن يكون المعنى أنهم المقصودون بالادخار الذي اقتضاه حالهم حتى لو لم يكونوا لم يدخر.
وفيه دليل على تقديم مصلحة الكراع والسلاح على غيرهما لاسيما في مثل ذلك الزمان والمتكلمون على لسان الطريقة قد جعلوا- أو بعضهم ما زاد على السنة خارجا عن طريقة التوكل.
15- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (أجرى النبي صلى الله عليه وسلم ما ضمر من الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع وأجرى ما لم يضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق قال ابن عمر: وكنت فيمن أجرى).
قال سفيان: من الحفياء إلى ثنية الوداع: خمسة أميال أو ستة ومن ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق ميل.
هذا الحديث أصل في جواز المسابقة بالخيل وبيان الغاية التي يسابق إليها وفيه إطلاق الفعل على الأمر به والمسوغ له وأما المسابقة على غير الخيل والشروط التي اشترطت في هذا العقد: فليست من متعلقات هذا الحديث وكذلك أيضا لا يدل هذا الحديث على أمر العوض وأحكامه فإنه لم يصرح فيه.
والإضمار ضد التسمين وهو تدريج لها في أقواتها إلى أن يحصل لها الضمر والحفياء بفتح الحاء المهملة وسكون الفاء ثم ياء آخر الحروف وألف ممدودة وثنية الوداع مكانان معلومان وزريق بالزاي المعجمة قبل الراء المهملة.
16- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني).
اختلف الناس في المدة التي إذا بلغها الإنسان ولم يحتلم حكم ببلوغه فقيل: سبع عشرة وقيل: ثمان عشرة وقيل: خمس عشرة وهذا مذهب الشافعي وقد استدل له بهذا الحديث وهو إجازة النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر في القتال بخمس عشرة سنة وعدم إجازته له فيما دونها ونقل عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه لما بلغه هذا الحديث جعله حدا فكان يجعل من دون الخمس عشرة في الذرية.
والمخالفون لهذا الحديث اعتذروا عن هذا الحديث بأن الإجازة في القتال حكمها منوط بإطاقته والقدرة عليه وأن إجازة النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمر في الخمس عشرة لأنه رآه مطيقا للقتال ولم يكن مطيقا له قبلها لا لأنه أدار الحكم على البلوغ وعدمه.
17- وعنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم في النفل: للفرس سهمين وللرجل سهم.
النفل: بتحريك الفاء والنون معا: يطلق ويراد به الغنيمة وعليه حمل قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1] ويطلق على ما ينفله الإمام لسرية أو لبعض الغزاة خارجا عن السهمان المقسومة إما من أصل الغنيمة أو من الخمس على الاختلاف بين الناس في ذلك ومنه حديث نافع عن ابن عمر في سرية نجد: (و إن سهمانهم كان عشر أو أحد عشر بعيرا ونقلوا بعيرا بعيرا) ومذهب مالك والشافعي أن للفارس ثلاثة أسهم ومذهب أبي حنيفة أن للفارس سهمين.
وهذا الحديث الذي ذكره المصنف متعرض للتأويل من وجهين:
أحدهما: أيحمل النفل على المعنى الذي ذكرناه فيكون المعطى زيادة على السهمين خارجا عنها.
والثاني: أن تكون اللام في قوله: (للفرس سهمين) اللام التي للتعليل لا اللام التي للملك أو الاختصاص أي أعطى الرجل سهمان لأجل فرسه أي لأجل كونه ذا فرس وللرجل سهما مطلقا.
وقد أجيب عن هذا ببيان المراد في رواية أخرى صريحة وهي رواية أبي معاوية عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم سهما له وسهمين لفرسه) فقوله أسهم استدلال به على أنه ليس بخارج عن السهمين وقوله ثلاثة أسهم صريح في العدد المخصوص وهذا الحديث الذي ذكرناه من رواية أبي معاوية عن عبيد الله صحيح الإسناد إلا أنه قد اختلف فيه على عبيد الله بن عمر ففي رواية بعضهم عنه: (للفرس سهمين وللرجل سهما) وقيل: إنه وهم فيه أي هذا الراوي.
وهذا الحديث أعني رواية أبي معاوية وما في معناها له عضد م غيره ومعارض له لا يساويه في الإسناد.
أما العاضد فرواية المسعودي حدثني أبو عمرة عن أبيه قال: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة نفر ومعنا فرس فأعطى كل إنسان منا سهما وأعطى للفرس سهمين) هذه رواية عبيد الله بن يزيد عن المسعودي عند أبي داود وعنده من رواية أمية بن خالد المسعودي عن أبي خلف بن عمرو عن أبي عمرة قال أبو داود: بمعناه إلا أنه قال ثلاثة نفر زاد وكان للفارس ثلاثة أسهم وهذا اختلاف في الإسناد.